توضیح

صحیح أن الشریعة فتحت باب الاجتهاد فیما لا نص فیه، ولکنها قیدت الاجتهاد وبشروطه المعروفة التی یجب أن تتوفر فیمن نصب نفسه للبحث والاجتهاد، وإلا فهو اجتهاد باطل یضرب به عرض الحائط. وصحیح أن الشارع راعى فی أحکامه مصالح العباد، ولکن تلک المصالح فی الشریعة الإسلامیة منضبطة ومحدودة فی جمیع أطرافها، بما لا یدع مجالاً للاضطراب أو الغموض فی فهمهما فی أنواعها ترتیباً لا یترک أی سبیل للتناقض أو التداخل فیما بینها، ومتفرعة من أصل راسخ متین مستقر ثابت فی قلب کل مؤمن صادق، ألا وهو العبودیة لله عز وجل. إلا أنه تسرب خطأ فی فهم هذه الکلمة حیث یمیل البعض تقدیر ما به یکون الصلاح والفساد إلى الناس أنفسهم، غیر أن الحقیقة هی أن تقدیر الصلاح والفساد عائد إلى الشریعة نفسها.
ولقد وضعت الشریعة الأسس العامة لهذه المصالح فی بیان لا یلحقه أی نسخ أو تبدیل، وأجملته فی خمسة مقاصد هی: حفظ الدین، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، طبق هذا الترتیب فیما بینها. کما أرشدت إلى الأدلة والملائم التفصیلیة لها بما لا یقبل أی تأویل أو تغییر وهی أن لا تخالف جزئیاتها نصوص الکتاب أو السنة أو القیاس الصحیح. ومن وحی الآراء الداعیة إلى الاجتهاد وتحکیم المصالح فی فهم الشریعة یأتی هذا البحث الذی هو بمثابة اجتهاد للدکتور محمد سعید رمضان البوطی فی فهم حقیقة المصالح الشرعیة وحدودها وضوابطها وأسسها.