عنوان
شمولیة الإسلام
نویسنده
محل نشر
سایت اسلام ویب
تاریخ نشر
1401ق.
زبان
عربی
توضیح
فإن الله سبحانه وتعالى هو المشرع وحده لا یمکن أن یحل، ولا أن یحرم، ولا أن یأمر، ولا أن ینهى فیما یتعبد به إلا هو وحده؛ لأنه الذی إلیه منتهى کل شیء, وهو الذی تصیر إلیه الأمور: أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِیرُ الأُمُورُ [الشورى:53], علم کل شیء بیده سبحانه وتعالى؛ فلذلک هو وحده الذی یستطیع التشریع والإحلال والتحریم، ومن دونه لا یعلمون مآلات الأمور, فإذا رأوا مصلحة فی وقتٍ من الأوقات، فیمکن أن تتغیر تلک المصلحة فی وقتٍ آخر, وإذا رأوا مفسدة فی وقتٍ من الأوقات، فیمکن أن تنقلب تلک المفسدة مصلحة فی وقتٍ آخر: أَلا یَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِیفُ الْخَبِیرُ [الملک:14].
فلذلک لم یکل الله أمور الدین إلى اجتهادات البشر وآرائهم؛ بل شرعها الله سبحانه وتعالى وأنزل بها الوحی واختار له أمین الملائکة، وأنزله على أمناء البشر وهم الرسل المبلغون عن الله سبحانه وتعالى، وقد قامت الحجة على الثقلین الإنس والجن بما جاء به رسل الله من عند الله من الدین، ثم قفى على آثارهم بمحمد صلى الله علیه وسلم، فختم به الرسالة وأوضح به معالم الدین، وأنزل علیه فی آخر ما أنزل: الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الإِسْلامَ دِینًا[المائدة:3].
وسر ذلک أن الله علم أن جوارحنا محدودة محصورة، وأننا نتفاوت فیها ونحن مضطرون للتعایش فی هذه الدار، وعقولنا ما هی إلا حاسة من حواسنا؛ فکما أن العین لها حدود إلى أدنى فلا تبصر ما فی الجفن من الخطوط والعروق والألوان، ولها حدود إلى أقصى فللبصر منتهىً یقف عنده, وکما أن الأذن لا تسمع جریان الدم فی العروق، ولا تسمع الأمواج المحملة المحیطة بها مع أن أصواتها کبیرة مزعجة؛ کذلک لها حدود إلى أقصى فتبلغ قوة الانفجار أو الصاعقة بحیث لا تسمعها الأذن ولا تستوعبها.
وکذلک الأصابع فی الید فإن لها قدرة تستطیع أن تحمل الشیء الذی فی طوق الإنسان حمله، ولکن لا تستطیع حمل أثقل من ذلک، کما أنها یشق علیها انتزاع الشیء الیسیر الصغیر الذی لا یمکن الوصول إلیه وحده، کانتزاع الخربصیصة من الرمل، والخربصیصة: هی الهنة التی تتراءى فی الرمل، فأخذ الإنسان لها بأصبعیه من الأمور الشاقة؛ لأنها أصغر من مدى طاقة الحمل.