توضیح

لقد شغل الجمال حیّزاً من تفکیر الإنسان منذ الیوم الأول الذی رأى فیه صورة وجهه على سطح ماءِ راکد ، ما دعاه إلى الاهتمام بشکله وحسن مظهره ، من ذلک الحین حتى یومنا هذا . ولا غرو فی ذلک ، فقد قصد البارئ ( عز وجل ) فی خلقه للإنسان أن یجعله فی أحسن تکوین وأجمل صورة ، وهو القائل ( عز وجل ) : [ الله الذی جعل لکم الأرض قراراً والسماء بناءً وصورکم فأحسن صورکم ورزقکم من الطیبات ذلک الله ربکم فتبارک الله رب العالمین ] [ غافر / 46 ] . ومما تقدم ، نرى أن مفهوم جمال الإنسان قد تجلى بأروع صورة منذ الخلق الأول . وفی السیاق نفسه هنالک الکثیر من الأحادیث النبویة الشریفة التی کرّست المفهوم الجمالی فی خلق الإنسان . ومنها الحدیث المتواتر والذی اعتاد الرسول صلى الله علیه وسلم أن یردده کلما نظر إلى وجهه الکریم : " اللهم حسّن خُلقی کما حسنت خَلْقی " . وقد ترسخ هذا المفهوم على مر العصور والأزمان فی المجتمعات والبلدان کافة ، واصبح طلب الجمال غایة مرجوة ، وباتت معها حرفة صناعة الجمال والتجمیل من الحرف الممیزة التی یتنافس فیها الجمیع ، کلّ بحسب اختصاصه ، سواء أکانوا أطباء أو حرفیین أو غیرهم . أما الیوم فقد أصبح مسلّماً به لدى الأغلبیة العظمى من افراد المجتمع أی مجتمع ، أن جراحات التجمیل لم تعد ترفاً مقصوراً على فئة معینة من الناس ؛ وهی الفئة القادرة ، أو ما یسمى " الطبقة المخملیة " ؛ بل أصبحت مطلباً متاحاً لکل من یعتقد أن هنالک شیئاً أو عملاً أو علاجاً ، ما یمکن أن یدعم ویعزز ویظهر ذلک الجمال الربانی الذی " خُلق " الإنسان علیه . وهذا یفسر التطور الهائل والإنتشار السریع للجراحات التجمیلیة خلال القرن الماضی ، إذ وصلت سعة انتشارها فی بعض المجتمعات إلى درجة کبیرة حتى إنه لا یکاد یوجد فیها کهل – ذکراً کان أم أنثى – إلا وخضع لنوع من تلک الجراحات فی مرحلة ما من عمره . ومن جهة أخرى ، من الأهمیة التنبّه إلى أن هذا الإنتشار الواسع لجراحات التجمیل ، والرغبة الجامحة لدى کثیر من الناس فی الإستفادة منها ، وشیوع بعض المفاهیم الخاطئة من قبیل أن الجراحات التجمیلیة هی مجرد إجراءات بسیطة لا تنطوی على أی مخاطر ونتائجها دائماً غایة فی الجمال ... جمیع هذه العوامل شجعت کثیراً من لا یتمتعون بالخبرات المطلوبة والمؤهلات اللازمة للإضطلاع بهذا النوع من الجراحات ، على أن یقحموا أنفسهم فی ممارسة هذا العمل الفائق التخصص ، وذلک بالعمل فی الخفاء أو فی الظل ( ما یسمى سوق الطب الموازی أو الرمادی ) ، دون أدنى مسؤولیة مهنیة أو أخلاقیة ، وذلک فقط سعیاً وراء ربح مادی دون مسوّغ قانونی أو شرعی ، مستغلین الثغرات الرقابیة القانونیة الطبلیة والإجتماعیة ، لیفلتوا من الملاحقة القضائیة ، عندما یتسببون فی إحداث نتائج کارثیة لضحایاهم . وقد وصلت الحالة فی بعض الإحیان إلى درجة أصبح فیها بعض المدعومین مالیاً یدیرون مؤسسات تقدم جراحات تجمیل یتم التعامل معها کأی سلعة أو خدمة فی سوق الأسهم والسندات . فقد أصبحت ممارسة بعض أنواع العلاجات أو الجراحات التجمیلیة بشکل غیر قانونی منتشرة فی کثیر من دول العالم حتى المتقدمة منها ، ناهیک عن دول العالم الثالث التی أصبحت سوقاً رابحاً لـ " تجار الشنطة " من الأطباء الذین یتنقلون من بلد إلى بلد وفی جعبتهم الکثیر من العلاجات والأدویة غیر المرخصة أو غیر المسجلة أو المجهولة الطبیعة أو المصدر ، حیث یقومون بإعطاء تلک العلاجات أو إجراء تلک الجراحات فی أی مکان دون ملف طبی وفی مکان غیر مؤهل أو مجهز لإجراء أی عمل طبی أو جراحی ، ومن دون رقابة مهنیة . من هذا المنطلق ، وبسبب افتقار المکتبة العربیة لکتاب موسوعی شامل عن جراحة التجمیل ، یکون مرجعاً لکل من یرغب فی معرفة المزید من جراحات التجمیل یأتی هذا الکتاب ، الذی جمع فیه الأستاذ الدکتور علی النمیری ، الذی احتل مناصب عالیة فی هذا المجال " جراحة التجمیل " ، مجموعة من الکتیبات التثقیفیة والبحوث التخصصیة والمقالات العلمیة المنثورة ، إضافة على العدید من لقاءاته الإذاعیة والتلفزیونیة والتی تُعنى جمیعها بالجراحات والعلاجات التجمیلیة ، وتغطی کافة جوانبها ، لیأتی هذا الکتاب بمثابة کتاب متخصص موسوعی وشامل ، یهم الباحث والمثقف والطبیب ، کما یهم الإعلامی والمریض والراغب فی إجراء جراحات تجمیلیة وذلک بهدف إغناء المکتبة العربیة بما یتعلق بالجراحات التجمیلیة ، ثم بهدف تقدیم مرجع یعود إلیه کل من کانت لدیه الرغبة فی أن تکون لدیه ثقافة فی هذا الموضوع ، ولکل قارىء یبحث عن ضالته فی مجال الطب التجمیلی وجراحاته .